يبدو أن السياحة المصرية ستطول عثرتها، فكلما نهضت من كبوة، أتتها كارثة من حيث لا تحتسب.
وآخرها ما حدث في العين السخنة بمحافظة السويس، من ظهور أسماك القرش وهجومها على السائحين.
ولا تعد هذه الواقعة هي الأولى من نوعها، حيث وقعت مثل هذه الحوادث من قبل، وآخرها كانت منذ 5 سنوات، حيث هاجم قرش سائح ألمانيًّا، كان يسبح خلال رحلة بحرية في مدينة القصير السياحية على البحر الأحمر جنوب شرق مصر، والتهمت إحدى قدميه من أعلى الركبة، وتوفي إثر الحادث.
وفي نهاية 2010 وقعت هجمات من أسماك القرش على شواطئ شرم الشيخ، وقتلت سائحة ألمانية سبعينية، وأصابت أربعة سياح روس بجروح خطيرة في ثلاث هجمات لأسماك القرش، على أثرها منعت السباحة في خليج نعمة في شرم الشيخ لنحو أسبوع. وفي يونيو 2009 قتلت سائحة فرنسية إثر هجوم سمك القرش عليها في مرسى علم.
وهكذا تتكرر مثل هذه الحوادث على شواطئ البحر الأحمر؛ لتضر بالسياحة أشد الضرر، ورغم ذلك تمر دون إيجاد أي حلول أو رادع لمنعها.
الدكتورة سحر مهني، أستاذ العلوم بمعهد علوم البحار والمصايد بالسويس، أرجعت هجمات أسماك القرش على البشر إلى وجود خلل أو سلوك خاطئ. وأوضحت أن هناك 400 نوع من أسماك القرش في العالم، 40 منها في مصر، ويضم خليج السويس 15 نوعًا من القروش، منها نوعان فقط مفترسان، أحدهما سمك القرش “النمر”، والآخر “الماكو”، وهو الذي هاجم الشاب، حيث إن قضمته كانت مميتة، وتسبب في بتر القدم، بعد أن قطع العظم واللحم في منطقة كاملة من قدم الطالب. وأشارت إلى أن هناك أنواعًا أخرى تأتي إلى منطقة خليج السويس غير الـ 40 نوعًا المستوطنين، وهي من الأنواع المفترسة والخطرة، ولكنها تأتي من البحر الأحمر؛ لتضع صغارها في مياه الخليج الدافئة.
وتابعت أنه من المرجح أن سلوكًا خاطئًا وقع من المركب الذي كان يستقله آخر ضحايا القروش، مثل إلقاء اللحوم أو الأسماك في البحر؛ مما تسبب فى جذب القرش إلى محيط المركب، وهو ما أوضحه الفيديو الذي قام الشباب الذين هاجمهم القرش بتصويره، والذي أكدت على نيتهم اصطياده، معتبرة ذلك سلوكًا خاطئًا؛ لعدم درايتهم بطبيعة القروش وأنواعها أو كيفية اصطيادها والتعامل معها، مطالبة بوقف تلك الممارسات الخاطئة، وإلا سيتكرر الحادث.
وأكدت أن “الصيد الجائر” لأسماك القرش، سواء كان تجاريًّا أو من قبل هواة، يستفز أسماك القرش، ويغير سلوكها، إذ يلقي هؤلاء بعض الأسماك الملوثة بالدماء في الماء؛ لجذب القروش لاصطيادها، وتسمى تلك العملية بـ “تزفير البحر”.
وتساءل الدكتور مصطفى محمد، أستاذ العلوم بجامعة قناة السويس: لماذا لم يتحدث أحد أن الخلل البيئي نتيجة إلقاء أبقار نافقة بمنطقة الخليج من سفينتين قادمتين من رومانيا؟ ولماذا لم يتم التحقيق في هذا الأمر، رغم علم الجميع بهذا الحادث قبل واقعة هجمات القرش بـ 20 يومًا؟ ولماذا لم تحرر أي محاضر بهذا الشأن، والذي من المرجح أن يكون السبب الحقيقي في اجتذاب القروش والمفترسات؟ مشيرًا إلى أن مثل هذه الحوادث لا يجب أن تمر مرور الكرام.
وقالت الدكتورة منال محمد، أستاذة علوم البحار والتغيرات البحرية بمعهد علوم البحار والمصايد بالسويس، إنها شاركت فريق البحث عقب الحادث في رحلة بحرية؛ للتوصل لنوعية الأسماك التي هاجمت ضحية القرش الأخير، وإجراء أبحاث لمعرفة هل توجد بكثرة أم لا في المنطقة، خاصة أن هناك 400 نوع من سمكة القرش في العالم، 30 منها خطيرة على الإنسان، مثل “القرش الأبيض، والثور، والنمر، والمحيطي”.
وأفادت أن الأصل أن أسماك القرش ليست عدوًّا للإنسان، فهي لا تنافس الإنسان على الحياة في الأرض، كما أنها تهاجم الإنسان عن طريق الخطأ، ولا تهاجم إلا إذا كانت جائعة وليس لديها بديل، أو نتيجة تصرفات خاطئة للإنسان، والتي تجتذب القروش المهاجمة منها. ولم يتمكن العلماء إلى اليوم من الوصول إلى أسباب واضحة لهجوم القرش على الإنسان.
وتابعت أن سمكة القرش التي ظهرت بالعين السخنة والتهمت قدم طالب جامعي من نوع “ماكو”، وظهرت قبل ذلك عام 2010 بخليج السويس، ولم تهاجم المواطنين حينها، ولكنها سمكة شرسة وخطرة، ودومًا تعيش في الأعماق، وكونها تظهر على السطح يشير إلى وجود خلل في النظام الغذائي الخاص بها، وهو ما ستقوم اللجنة ببحث طريقة مواجهته.
ورجحت أن ظهور أسماك القرش بمياه خليج السويس بالعين السخنة بهذه الكميات جاء بعد إلقاء أبقار نافقة من سفينتين قادمتين من رومانيا منذ 20 يومًا، وأن القروش ظهرت بسبب هذه المخلفات التي تتغذى عليها.
ومن جانبه قال اللواء أحمد الهياتمي، محافظ السويس،إنه شارك فريق البحث في الرحلة البحرية؛ لدراسة الأثر البيئي والبحث عن أسباب مهاجمة القرش للطالب، موضحًا أن الإنسان ليس وجبة بالنسبة لأسماك القرش، وأنه يلفظ ما يلتهمه من الإنسان عقب مهاجمته له، مرددًا “سمك القرش يعض الإنسان ولا يأكله”.
وأضاف أن أفضل وجبات الطعام بالنسبة لسمكة القرش الحيوانات الدهنية، مثل كلب البحر، وتابع أن الهجوم كان على بعد 150 مترًا فقط من منطقة جبلية، وعلى بعد 6 كيلو مترات من الشواطئ، وهو ما يجعل الأمر خطيرًا.
وأوضح الهياتمي أن جميع الشواطئ مفتوحة، وتعمل بشكل طبيعي، باستثناء المنطقة التي تظهر بها أسماك القرش على بعد 150 مترًا من المنطقة الجبلية، وأصدر قرارًابمنع صيد الهواة في هذه المنطقة؛ لأنها مليئة بالأسماك الكبيرة التي يستهدفها أسماك القرش؛ حتى يتم توفير الغذاء لها دون الاقتراب من الشواطئ، وذكر أن المنطقة التي ظهر بها أسماك القرش بعيدة عن الشواطئ السياحية بالمدينة، موضحًا أن هناك دراسة تقام لمعرفة أعداد سمك القرش في المياه ومدى تكاثره.
وطمأن المحافظ السائحين ورواد العين السخنة مؤكدًا أن الشواطئ آمنة من أسماك القرش، محذرًا من السباحة بالأماكن العميقة التي يتواجد بها الأسماك الكبيرة التي تعد غذاء لأسماك القرش أو السباحة بأماكن الصيد.
وتابع أنه في حال ازدياد أعداد سمك القرش بهذه المنطقة بحسب نتائج الدراسات، فسيتم الحصول على تصريح دولي لاصطياد أسماك القرش خلال فترة معينة؛ لتقليل أعداد أسماك القرش، موضحًا أن هناك قانونًا دوليًّا بمنع صيد أسماك القرش.